الكوارث الطبيعية
دور الانسان فيها
ارتفاع مستوى البحار وإزالة الاحراج
افادت احدى الافتتاحيات في مجلة العِلم ان «مستوى البحار ارتفع ما بين 10 الى 20 سنتيمترا خلال القرن الماضي، والآتي اعظم». وما علاقة ذلك بالدفء العالمي؟ يشير العلماء الى تفسيرَين محتملَين لهذه الظاهرة. اولا، يُحتمل ان ذوبان الانهار الجليدية والجليد الذي يغطي اليابسة في المناطق القطبية يؤدي الى زيادة كمية الماء الموجودة في المحيطات. والتفسير الآخر هو التمدُّد الحراري. فعندما تسخن المحيطات يزداد حجمها.
وعلى الارجح تعاني جزر توفالو الصغيرة في المحيط الهادئ منذ الآن تأثيرات ارتفاع مستوى البحار. فبحسب مجلة سميثسونيان (بالانكليزية)، تُظهر المعلومات التي جُمعت في فونافوتي عاصمة توفالو ان مستوى البحر يرتفع «كمعدل 5,6 مليمترات كل سنة منذ العقد الماضي».
تستمر بلدان عديدة في اطلاق غازات الدفيئة الى الغلاف الجوي
كما ان النمو السكاني في انحاء كثيرة من العالم يسبِّب توسع المدن الى المناطق الريفية، ازدياد مدن الاكواخ، وتفاقم التدهور البيئي. فتعمل هذه الامور على تضخيم تأثيرات الكوارث الطبيعية. وإليك بعض الامثلة:
تتخبّط جزيرة هايتي في مشكلة النمو السكاني السريع وتستمر إزالة الاحراج فيها منذ امد بعيد. وكما يشير احد التقارير الاخبارية الحديثة، رغم ان مشاكل هايتي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية سيئة جدا، فما من شيء يهدد البلد اكثر من إزالة الاحراج. وقد تجلَّى هذا التهديد بكل بشاعته سنة 2004 عندما سبَّبت الامطار الغزيرة سيولا طينية ذهب ضحيتها آلاف القتلى.
وتشير نسخة آسيا من مجلة تايم الى ان «الدفء العالمي، بناء السدود، ازالة الاحراج، وزراعة القطع والحرق» هي عوامل زادت من حدة الكوارث الطبيعية التي ضربت جنوب آسيا. من جهة اخرى، تؤدي إزالة الاحراج الى تفاقم مشكلة الجفاف، إذ ان التربة في المناطق المنزوعة الاحراج تجف بسرعة اكثر. وفي السنوات الاخيرة، ساهم الجفاف في إندونيسيا والبرازيل في اشتعال حرائق لم يسبق لها مثيل في غابات لا تشبّ فيها الحرائق عادة بسبب تربتها الرطبة. لكنّ الاحوال الجوية غير الطبيعية ليست السبب الوحيد للكوارث الطبيعية. فهناك بلدان كثيرة معرَّضة لكوارث من نوع آخر تنشأ في اعماق الارض.
الارض حين تتزلزل
تتألف قشرة الارض الخارجية من ألواح من مختلف الاحجام في حركة مستمرة واحدها بالنسبة الى الآخر. وهذه الحركة في قشرة الارض ناشطة جدا بحيث انها تسبب ملايين الزلازل كل سنة. ولكننا طبعا لا نشعر بمعظمها.
يُقال ان نحو 90 في المئة من الزلازل يحدث على طول الصدوع في طرف الالواح. لكن في حالات نادرة، تحدث الزلازل ايضا داخل الالواح. وفي هذه الحالة تكون الزلازل مدمرة جدا. وبحسب التقديرات كان الزلزال الاشد فتكا في التاريخ المسجَّل زلزالا ضرب ثلاث مقاطعات في الصين سنة 1556. ويُرجَّح ان عدد القتلى قارب الـ 830,000 قتيل.
كما يمكن ان تكون للزلازل نتائج لاحقة خطيرة. مثلا، في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1755، ضرب زلزال مدينة لشبونة البرتغالية وسوّاها بالارض على رؤوس سكانها البالغ عددهم 275,000 نسمة. لكنّ المأساة لم تنتهِ عند هذا الحد. فقد سبَّب الزلزال حرائق بالاضافة الى موجات تسونامي قُدِّر ارتفاعها بـ 15 مترا انقضَّت على المدينة من المحيط الاطلسي. وفاق عدد القتلى الاجمالي نتيجة هذه الكارثة الـ 60,000.
وكما هي الحال في الكوارث الاخرى، يلعب الانسان الى حد ما دورا مهما في تضخيم حجم الكوارث التي تحدثها الزلازل. وأحد هذه العوامل هو كثافة السكان في المناطق المعرَّضة للخطر. يقول الكاتب اندرو روبنسون: «تقع نصف مدن العالم الكبيرة تقريبا في مناطق معرَّضة للزلازل». كما ان الابنية نفسها، اي مواد البناء المستعملة ومتانة بنائها، هي عامل آخر. فغالبا ما تتبرهن صحة المثل القائل: «لا يموت الناس بسبب الزلازل بل بسبب الابنية». لكن ماذا يفعل الناس اذا كان فقرهم لا يسمح لهم ببناء ابنية مقاومة للزلازل؟
البراكين تبني وتهدم
يذكر تقرير من معهد سميثسونيان بالولايات المتحدة: «أثناء قراءتك لهذه الكلمات، من المحتمل ان يكون 20 بركانا على الاقل ثائرا حول العالم». وكما تفيد نظرية تكتونية الالواح، توجد البراكين اجمالا في المناطق نفسها التي تضربها الزلازل. وهذه المناطق هي الصدوع، وخصوصا الصدوع في قاع المحيطات؛ وقشرة الارض حيث ترتفع الصهارة من وشاح الارض عبر الشقوق؛ وكذلك مناطق الاندساس حيث يغوص احد الالواح تحت لوح آخر.
تشكل البراكين في مناطق الاندساس اكبر خطر على البشر، إن من حيث عدد الثورانات او من حيث قربها من المناطق الآهلة بالسكان. وتنتشر مئات البراكين من هذا النوع حول حافة المحيط الهادئ، ولذلك اكتسبت هذه المنطقة الاسم: حلقة النار. ولكن توجد بعض البراكين في البقع الساخنة البعيدة عن حدود الالواح. ويبدو ان جزر هاواي، آزور، غالاباغوس، وسوسايتي نشأت جميعها نتيجة النشاط البركاني في البقع الساخنة.
هل تزداد الكوارث الطبيعية؟
يذكر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الاحمر والهلال الاحمر في التقرير العالمي للكوارث 2004 الذي اصدره انه خلال العقد الماضي ازدادت الكوارث المناخية والجيوفيزيائية اكثر من 60 في المئة. ويقول التقرير، الذي نُشر قبل حدوث كارثة التسونامي في المحيط الهندي في 26 كانون الاول (ديسمبر)، ان «هذا اشارة الى ما ستكون عليه الاحوال لوقت طويل في المستقبل». ولا شك انه اذا استمر نمو السكان في المناطق الاكثر عرضة للخطر واستمر في الوقت نفسه اختفاء الغابات، فما من سبب يدعو الى التفاؤل.
بالاضافة الى ذلك، تستمر بلدان صناعية عديدة في اطلاق المزيد من غازات الدفيئة الى غلاف الارض الجوي. وبحسب افتتاحية في مجلة العِلم، فإن تأجيل الحد من إطلاق الغازات «يشبه رفض تناول الدواء لمعالجة مرض يتطور. فذلك سيؤدي لا محالة الى خسائر اكثر فداحة في المستقبل». وفي معرض الحديث عن هذه الخسائر، ذكر تقرير كندي حول الحد من أضرار الكوارث: «هنالك براهين كثيرة يمكن إعطاؤها للقول ان تغيُّر المناخ هو المشكلة البيئية الاوسع انتشارا والابعد تأثيرا بين المشاكل التي يواجهها المجتمع الدولي».
لكن اذا كان المجتمع الدولي في الوقت الحاضر عاجزا حتى عن الاتفاق حول ما اذا كان النشاط البشري يساهم في مشكلة الدفء العالمي، فكيف له ان يحد من هذه المشكلة؟ تذكِّرنا هذه الحالة بما يقوله الكتاب المقدس: ‹ليس للبشر ان يوجهوا خطواتهم›.